فصل: نكبة الناصري واعتقاله.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.خلع الصالح أمير حاج وجلوس الأمير برقوق على التخت واستبداده بالسلطان.

كان أهل الدولة من البيبقاوية من ولي منهم هذا الأمير برقوق قد طمعوا في الاستبداد وظفروا بلذة الملك والسلطان ورتعوا في ظل الدولة والأمان ثم سمت أحوالهم إلى أن يستقل أميرهم بالدولة ويستبد بها دون الاصاغرين المنتصبين بالمملكة وربما أشار بذلك بعض أهل الفتيا يوم بيعة أمير حاج وقال لابد أن يشرك معه في تفويض الخليفة الأمير القائم بالدولة لتشد الناس إلى عقدة محكمة فأمضى الأمر على ذلك وقام الأمير بالدولة فأنس الرعية بحسن سياسته وجميل سيرته واتفق أن جماعة من الأمراء المختصين بهذا الصبي المنصوب غصوا بمكان هذا الأمير وتفاوضوا في العذر به وكان متولي ذلك منهم ابقا العثماني دوادار السلطان ونمي الخبر إليه بذلك فتقبض عليهم وبعث ابقا إلى دمشق على امارته وغرب الآخرين إلى قوص فاعتقلوا هنالك حتى أنفذ فيهم حكمه واشفق الأمراء من تدبر مثل هؤلاء عليهم وتفاوضوا في محو الاصاغر من الدست وقيامه بأمرهم مستقلا فجمعهم لذلك في تاسع عشر رمضان سنة أربع وثمانين وحضر الخاصة والعامة من الجند والقضاة والعلماء وأرباب الشورى والفتيا وأطبقوا على بيعته وعزل السلطان أمير حاج فبعث إليه أميرين من الأمراء فادخلوه إلى بيته وتناولوا السيف من يده فأحضروها ثم ركب هذا السلطان من مجلسه بباب الاصطبل وقد لبس شعار السلطنة وخلعة الخلافة فدخل إلى القصور السلطانية وجلس بالقصر الابلق على التخت وأتاه الناس ببيعتهم أرسالا وانعقد أمره يومئذ ولقب الملك الظاهر وقرعت الطبول وانتشرت البشائر وخلع على أمراء الدولة مثل أشمس الأتابك والطنبقا الجوباني أمير مجلس وجركس الخليلي أمير الماخورية وسودون الشيخوني نائبا والطنبقا المعلم أمير سلاح ويونس النوروي دوادار وقردم الحسيني رأس نوبة وعلى كتابه أوحد الدين بن ياسين كاتب سره ادال به من بدر الدين بن فضل الله كاتب سر السلطان من قبل وعلى جميع أرباب الوظائف من وزير وكاتب وقاض ومحتسب وعلى مشاهير العلم والفتيا والصوفية وانتظمت الدولة أحسن انتظام وسر الناس بدخولهم في ايالة السلطان يقدر للامور قدرها ويحكم أو أخيها واستأذنه الطنبقا الجوباني أمير مجلس في الحج تلك السنة وأذن له فانطلق لقضاء فرضه وعاد انتهى والله تعالى أعلم.

.مقتل قرط وخلع الخليفة ونصب ابن عمه الواثق للخلافة.

كان قرط بن عمر من التركمان المستخدمين في الدولة وكان له اقدام وصرامة رقابهما إلى محل من مرادفة الأمراء في وجوههم ومذاهبهم ودفع إلى ولاية الصعيد ومحاربة أولاد الكنز من العرب الجائلين في نواحي اسوان فكان له في ذلك غناء وأحسن في تشريدهم عن تلك الناحية ثم بعث إلى البحيرة واليا عند انتقاض بدر بن سلام وفراره ومرجع العساكر من تمهيدها فقام بولايتها وتتبع آثار أولئك المنافقين وحسم عللهم وحضر في ثورة انيال فجلا في ذلك اليوم لشهامته واقدامه وكان هو المتولي تسور الحائط واحراق الباب الظهراني الذي ولجوا عليه وامسكوه فكان يمت بهذه الوسائل اجمع والسلطان يرعى له إلا أنه كان ظلوما غشوما فكثرت شكايات الرعايا والمتظلمين به فقبض عليه لاول بيعته وأودعه السجن ثم عفا عنه وأطلقه وبقي مباكرا باب السلطان مع الخواص والأولياء وطوى على الغث وتربص بالدولة ونمي عنه أنه فاوض الخليفة المتوكل بن المعتضد في الانتقاض والإجلاب على الدولة بالعرب المخالفين بنواحي برقة من أهل البحيرة وأصحاب بدر بن سلام وأن يفوض الخليفة الأمر إلى سوى هذا السلطان القائم بالدولة وأنه داخل في ذلك بعض ضعفاء العقول من امراء الترك ممن لا يؤبه له فاحضرهم من غداته وعرض عليهم الحديث فوجموا وتناكروا وأقر بعضهم واعتقل الخليفة بالقلعة وأخرج قرط هذا لوقته فطيف به على الجمل مسمرا ابلاغا في عقابه ثم سيق إلى مصرعه خارج البلد وقد بالسيف نصفين وضم الباقون إلى السجون وولى السلطان الخلافة عمر بن إبراهيم الواثق من أقاربه وهو الذي كان الملك الناصر ولى أباه إبراهيم بعد الخليفة أبي الربيع وعزل عن ابنه أحمد كما مر وكان هذا كله في ربيع سنة خمس وثمانين وولى مكانه أخوه زكريا ولقب المعتصم واستقرت الأحوال إلى أن كان ما نذكره أن شاء الله تعالى.

.نكبة الناصري واعتقاله.

كان هذا الناصري من مماليك بيبقا وأرباب الوظائف في أيامه وكان له مع السلطان الظاهر ذمة وداد وخلة من لدن المربى والعشرة فقد كانوا أترابا بها وكانت لهم دالة عليه لعلو سنه وقد ذكرنا كيف استبدوا بعد ايبك ونصبوا الناصري أتابكا ولم يحسن القيام عليها وجاء طشتمر بعد ذلك فكان معه حتى في النكبة والمحبس ثم أشخص إلى الشام وولى على طرابلس ثم كانت ثورة انيال ونكبته في جمادى سنة إحدى وثمانين فاستقدمهم من طرابلس وولى أمير سلاح مكان انيال واستخلصه الأمير بركة وخلطه بنفسه وكانت نكبته فحبس معه ثم أشخص إلى الشام وكان انيال قد أطلق من اعتقاله وولى على حلب سنة اثنتين وثمانين مكان منكلي بقري الاحمدي فأقام بها سنة أو ونحوها ثم نمي عنه خبر الانتقاض فقبض عليه وحبس بالكرك وولى مكانه على حلب بيبقا الناصري في شوال سنة ثلاث وثمانين وقعد الظاهر على التخت لسنة بعدها واستبد بملك مصر وكان الناصري لما عنده من الدالة يتوقف في انفاذ أوامره لما يراه من المصالح بزعمه والسلطان ينكر ذلك ويحقده عليه وكان له مع الطنبقا الجوباني أمير مجلس أحد أركان الدولة حلف لم يغن عنه وأمر السلطان بالقبض على سولي بن بلقادر حين وفد عليه بحلب فأبي من ذلك صونا لوفائه بزعمه ودس بذلك إلى سولي فهرب ونجا من النكبة ووفد على السلطان سنة خمس وثمانين وجدد حلفه مع الجوباني ومع أشمس الأتابك ورجع إلى حلب ثم خرج بالعساكر إلى التركمان آخر سنة خمس وثمانين دون إذن السلطان فانهزم وفسدت العساكر ونجا بعد ثالثة جريحا واحقد عليه السلطان هذه كلها ثم استقدمه سنة سبع وثمانين فلما انتهى إلى سرياقوس تلقاه بها أستاذ دار فتقبض عليه وطير به إلى الإسكندرية فحبس بها مدة عامين وولى مكانه بحلب الحاجب سودون المظفر وكان عيبة نصح للسلطان وعينا على الناصري فيما يأتيه ويذره لأنه من وظائف الحاجب للسلطان في دولة الترك خطة البريد المعروفة في الدول القديمة فهو بطانة السلطان بما يحدث في عمله ويعترض شجا في صدر من يروم الانتقاض من ولايته وكان هذا الحاجب سودون هو الذي ينمي أخباره إلى السلطان ويطلعه على مكا من مكره فلما حبس الناصري بالإسكندرية ولاه مكانه بحلب وارتاب الجوباني من نكبة الناصري لما كان بينهما من الوصلة والحلف فوجم واضطرب وتبين السلطان منه النكر فنكبه كما نذكره بعد إن شاء الله تعالى وأقصاه والله أعلم.